أول خليفة أموي
معاوية بن أبي سفيان، قائد بارع وصحابي جليل،
يظهر في تاريخ الدولة الأموية كأول خليفة لها. بعد تنازل الحسن بن علي رضي الله
عنهما عن الخلافة لصالح معاوية، قرر معاوية تولي المسؤولية. كان ذلك في عام 41 هـ،
وقد كانت فترة حكمه تستمر لمدة 20 عامًا، حيث شهدت استقرارًا داخليًا وتحقيقًا
للانتصارات والإنجازات والفتوحات الإسلامية الخارجية.
![]() |
أول خليفة أموي - معاوية بن أبي سفيان |
معاوية بن أبي سفيان لعب دورًا حاسمًا في حقن
الدماء وحماية المسلمين، وسعى جاهدًا للحفاظ على وحدة صفهم. تم تسمية الدولة
الأموية باسمه نسبةً إلى جدّه الثاني، أمية بن عبد شمس بن عبد مناف. ومدة خلافته
شهدت استقرارًا طويلًا، حيث امتدت لغاية عام 60 هـ. قوة الدولة
الأموية واستمرارها لمدة 91 عامًا، حتى انتهت في عام 132 هـ، تجسدت في حكم
خلفائها، وكان آخرهم مروان الثاني (مروان بن محمد).
من هو معاوية بن أبي سفيان
معاوية بن أبي سفيان، الذي يُلقب بأبي
عبدالرحمن القرشي الأموي المكي، هو ابن صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس. وُلد قبل
بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم بخمس سنوات، وكانت أمه هند بنت عتبة. يُذكر أن
والديه كانا من أعداء المسلمين في الجاهلية، لكنهما أسلما بعد ذلك وبايعا النبي
محمد صلى الله عليه وسلم.
أسلم معاوية يوم فتح مكة، واختاره النبي صلى
الله عليه وسلم كاتبًا للوحي. شارك مع النبي في عدة غزوات، منها غزوة حنين
والطائف، وقاتل فيهما. كما روى بعض الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، حيث
كانت أخته أم المؤمنين أم حبيبة من زوجاته.
شارك معاوية في معركة اليمامة في عهد أبي بكر
الصديق، وكان جزءًا من الجيش الذي خرج لفتح الشام. في عهد عمر بن الخطاب، اكتسب
معاوية ثقة عمر وولاه الأردن، ثم أُمِرَ بولاية الشام بعد وفاة أخيه يزيد بن أبي
سفيان، الذي كان واليًا على الشام قبله. في ولاية عثمان بن عفان، أُصبِحَ معاوية
واليًا على بلاد الشام بأكملها.
بعد بيعة المسلمين له، استمرت فترة حكم معاوية
لمدة 20 عامًا، وشهدت فترة طويلة من الاستقرار الداخلي والانتصارات والإنجازات في
الفتوحات الإسلامية الخارجية. بنيت الدولة الأموية بعد ذلك على تلك الأسس التي
وضعها معاوية، وظلت تستمر حتى عام 132 هـ، حيث انتهت بولاية آخر خلفائها مروان
الثاني.
أهم أعمال الخليفة الأموي معاويه بن أبي سفيان
خلال فترة خلافة معاوية بن أبي سفيان، شهدت
الدولة الأموية العديد من الإنجازات التي ساهمت في تعزيز الهيكل الإداري والعسكري
للدولة الإسلامية. من بين هذه الإنجازات:
نقل مقر الخلافة إلى دمشق:
أحد الإنجازات البارزة كان نقل مقر الخلافة إلى
دمشق، حيث أصبحت العاصمة الجديدة للدولة الأموية بدلاً من الكوفة. تحولت دمشق إلى
المركز الرئيسي للقيادة العسكرية، حيث كانت الجيوش تنطلق منها بإشراف وتخطيط من
معاوية.
تطوير جهاز الاستخبارات:
قام معاوية بتعزيز جهاز الاستخبارات لجمع
المعلومات اللازمة حول العدو، وقام بتطويره بشكل كبير لضمان تحديث وجودة المعلومات
الاستخبارية.
إنشاء ديوان البريد:
أسس معاوية ديوان البريد لضمان توجيه الأخباروالأوامر بشكل سريع وفعال إلى جميع أطراف الدولة، مما ساهم في تعزيز الاتصالات
الحكومية.
تحصين الحدود البرية:
قام بزيادة الاهتمام بتحصين الحدود البرية
للدولة، مما ساهم في تعزيز الأمان والاستقرار الداخلي.
حملات الصوائف والشواتي:
نظم معاوية حملات عسكرية في فصلي الشتاء
والصيف، والتي كانت تعرف بحملات الصوائف والشواتي، بهدف توسيع نطاق الدولة وتحقيق
الفتوحات الإسلامية.
بناء قوة بحرية:
أسهم في بناء قوة بحرية لحماية سواحل الدولة
الإسلامية، مما أضاف بُعدًا جديدًا للقوات العسكرية وزاد من قدرتها على الدفاع.
إنشاء دار صناعة للأساطيل:
في عام 54 هـ، أسس معاوية أول دار صناعة
للأساطيل، بهدف إنتاج السفن البحرية وتحديث الأسطول البحري للدولة.
تطوير ديوان الجُند والعطاء:
قام بتطوير ديوان الجُند والعطاء لتحسين تنظيم
وإدارة القوات العسكرية، مما ساهم في تحقيق الفعالية والتنسيق في الحروب والمعارك.
بهذه الإنجازات، نجح معاوية بن أبي سفيان في تعزيز قوة وتنظيم الدولة الأموية خلال فترة حكمه.
موت معاويه بن أبي سفيان
مرض معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- مرضاً
شديداً في السنة الستين للهجرة، وبعد أن تكاثرت عليه الأمراض والأسقام قام يخطب في
الناس، ويمهد لهم بأن الزرع لا بد له من حصاد، وأن من سيأتي الحكم من بعده لن يكون
أخير منه -رضي الله عنه-؛ لأنه تولى الحكم بعد من كان أخير منه، وكان قبلهم الأخير
والأخير وهكذا.
ولم تذكر الكتب التاريخية حقيقة مرض معاوية بن
أبي سفيان -رضي الله عنه- ولم تذكره بعينه، إنما تعرضت لوصيته لابنه، وذكرت تفاصيل
فراقه واحتضاره؛ فقد طلب معاوية من ابنه يزيد -رضي الله عنهما- أن يكون من يغسله
بعد موته رجلاً لبيباً مؤمناً، وأن يتم تكفينه بثوب كان لرسول الله -صلى الله عليه
وسلم-، وغيرها من الوصايا.
وتوفي مؤسس الدولة الأموية، معاوية بن أبي سفيان، في شهر رجب عام
60 هـ. عقب وفاته، تم اختيار ابنه يزيد بن معاوية ليتولى مقاليد الخلافة، حيث كتب
معاوية وصيته له في الحكم.